أنت والآخرون بقلم : شيماء زايد
معادلة الحياة تفاعل بين طرفين ... أنت والآخرون ... والناتج لك وحدك..
(1) الأنانية في المشاعر:
الأنانية في المشاعر ظاهرة متفشية، فكثيراً ما يختلط علينا مفهوم الحب ومفهوم الامتلاك للآخرين والسيطرة عليهم، بل والتحكم أيضاً في ذواتهم.. نطالب دائماً بحقوقنا، وننسى ما علينا من واجبات تجاههم، واجبات يحتاجونها هم لا نحن.. يختارونها هم لا نحن.
ولنبدأ في سرد الأمثلة..
في الصداقة مثلاً، هل تعتبر صديقك:
- شريكاً..
- أم تابعاً..
- أم قائداً؟
إذا اعتبرته شريكاً فهذا هو الاعتدال، لأنكما متشاركان في الحقوق والواجبات، قادران على مساندة بعضكما البعض.
أما إذا اعتبرته تابعاً فتلك أنانية منك، لأنه إنسان مستقل، يحمل عقلاًً ومشاعر لابد من احترامها والتعامل معها.
وصدقني لن تستطيع تحمل أعباء القائد دائماً.
وإذا اعتبرته قائداً فتلك قمة الأنانية، لأنك تواكلت، وألقيت بالعبء عليه، وتنتظر في مقابل تبعيتك له أن يمنحك كل شيء...لا تفكر في احتياجاته لأن القائد لا يحتاجك، فأنت خلفه تطلب منه دائماً..
لا تسجن من حولك بادعاء حبك، هم لم يطلبوا حبك..أنت من وهبتهم إياه، فلا تطلب في المقابل امتلاك ذاتهم.
مثال: ماذا تمثل زوجتك؟ .. قطعة ديكور في المنزل..جزء من حياتك...أم رفيقة الدنيا والآخرة؟
إذا كانت تمثل رفيقة الدنيا والآخرة فبيتك مقام على أساس شراكة من طرفين..تتشاركان في الأحلام.. في الأزمات.. في الأعباء.. وفي سعادة مواجهة الحياة.
أما إذا كانت قطعة ديكور كمالية من كماليات منزلك، تحبها كما تحب جدرانه وأثاثه، فأنت أناني لأقصى حد، لم تختر شريكة للحياة، وإنما اشتريت إنساناً لمجرد أن تتباهى بوجوده، وتضعه في دولاب عرض داخل منزلك لترجع فتجده في المكان نفسه!.. أي حب هذا الذي يساوي بين إنسان وماسة تحتفظ بها في خزانتك؟!
أما إذا اعتبرتها جزءًا فأنت أيضاً أناني، تفضل أن تحلم وتخطط لحياتك، وتضعها ضمن رؤياك، متناسياً ما لها من حق المشاركة في هذه الحياة، متجاهلاً أحلامها وأمنياتها، بل واحتياجاتها أيضاً.
ولا تتبع مبدأ...أنا أحبك إذن أنت لي وحدي.
وكثيراً ما نرى هذا المبدأ في الصداقة ...مع العلم أن صديق صديقي يكون أيضاً صديقي، وأنا أحبه لأنه يحب صديقي.
لا تعط نفسك الحق في أخذ كل شيء لمجرد إحساسك بظلم الدنيا.. أنا مظلوم ..ولا تقل: أنا مهضوم حقي في الدنيا...إذن مباح لي أن أستمتع بكل شيء وآخذ كل شيء، والناس جميعاً مسخرون لإرضائي!
مبرر سخيف للأنانية المفرطة.
فما أنت الضحية الوحيدة للدنيا، وإنما أنت طامع في مكاسبها، تبرر مطامعك.
من الأنانية أن تفرض ذاتك على من تحب متناسياً ذواتهم.
ليس العيب أن نختلف، ولكن العيب ألا نحترم اختلافاتنا، ونراعي اهتمامات وأحلام ومشاعر ومتطلبات الآخرين.
من الأنانية أن تفكر دائماً في حقوقك على الآخرين متناسياً واجباتك تجاههم.
من الأنانية أن تطالب إنساناً أن يتحملك دون أن تتحمله.
من الأنانية ألا ترى قائداً سواك فيمن حولك.
من الأنانية أن تمنح الحب مقابل الولاء.
من الأنانية أن تكون وحدك من يعطي الآخرين...فالحب شركة مساهمة، أسهمها المشاعر.. وعلى قدر أسهمك تكون أرباحك.
(2) لصوص المشاعر
نعم، للمشاعر لصوص، فكما أن هناك من يضع يده في جيبك ليسرق نقودك، هناك من ينتزع المشاعر من قلبك.
السرقة على طريقة التسول:
كما أن هناك عدداً من المتسولين يسرقون مشاعرك قبل نقودك، مبرزين عاهاتهم أو وسط دموعهم المنهمرة..هناك أيضاً العديد من المتسولين حولنا، هؤلاء من يظهرون أنفسهم أشقياء تعساء، ويضربون على أوتار استعطافك حتى تلغي عقلك تماماً، وتنساق تجاههم بلا وعي، تعطيهم من حنانك وعطفك، وهم يطلبون المزيد ....
جميل أن تحس وتشعر بالآخرين...ولكن، لا تجعل إشفاقك عليهم يحجب عنك حقائقهم، فالبعض منهم قد لا يكون أهلاً لثقتك ...
يا عزيزي، أنت أشقى منهم.. أحب نفسك قليلاً، فلا تجعل قلبك يقود عقلك، واحكم على الناس أولاً، وهبهم من مشاعرك وساندهم، ولكن دون أن تجعلهم يسرقون مشاعرك، فتتعدى على حقك وحقوق الآخرين في هذه المشاعر.
مثال: قابلت صديقاً جديداً، وكان انطباعك الأولي عنه مثلاً أنه إنسان أناني، أو لديه أي جانب سلبي آخر، وبدأ في سرد قصة حياته المحزنة عليك.. كيف توفيت والدته.. وكيف عاملته زوجة أبيه وحرم من الحنان والعطف و....فوجدت نفسك تنجرف في مشاعرك تجاهه، وتجعل له الأولوية على نفسك، متناسياً ما فيه من جوانب سلبية...
هنا قف واسأل نفسك: هل ظروف الإنسان الصعبة مبرر كاف لانحرافه؟!
ألم يمر الرسول صلى الله عليه وسلم بظروف لا يتحملها بشر؟
ألا تظلمه أنت الآن في علاقة يأخذ هو فيها دون أن يعطي، ولا تنبهه إلى عيوبه خشية عليه من الألم، وكان الأولى أن يعلمها ليقوّمها!..
إن لم تخش على نفسك من السرقة، فاخش عليه أن يكون لصاً.
سرقة المشاعر بالإكراه
عندما يحاصرك أحد الأشخاص بمشاعره مطالباً إياك أن تبادله هذه المشاعر، ويزيد في حصاره، حتى إنك تتخيل أن تفتح الثلاجة مثلاً فتجده أمامك..
لا تسمح له أن يستولي على مشاعرك، واكسر حصاره، وابتعد قدر المستطاع، واعلم أن إحساسك بالذنب تجاهه هو السلاح الذي يهددك به.. ابتعد عن نصل سلاحه، ودافع عن نفسك.
مثال: (ص) يريد التقدم لخطبة (س).. لا تشعر بالارتياح، وتحاول ألا تظلم (ص) ..يبدأ (ص) في الحصار بمشاعره ورغبته في أن تبادله هذه المشاعر.... تجده في كل الأماكن وكل الأشياء، يصف مشاعره ويسردها.... ويطلب منها ألا تتركه، ويصور ماذا يمكن أن يصيبه في حال تخليها عنه...تستسلم (س) أمام هذا الحصار، متناسية مشاعرها ورغبتها، ظالمة لنفسها ولـ (ص) أيضاً، فتتم الخطبة، ثم تفسخ عندما تتلاشى مشاعر الشفقة، أو تتحرر من الحصار أو ر بما يكون هناك تجربة زواج فاشل.
احم مشاعرك من الاغتصاب
سارق ومسروق في آن واحد
هذا ليس إعلاناً عن شامبو، بل إنها الحقيقة... ولعل خير مثال هو ما يعرف اليوم بـ (الصحوبية)، فكلا الطرفين المصاحب والمصاحبة يسرق مشاعر ليست من حقه، ويسمح للآخر بسرقة مشاعره، فلو أن داخل كل إنسان بطارية مشاعر فإن هذه البطارية من حق شريك الحياة فقط لا غير...لماذا تمنح شريكك بطارية مستهلكه؟! هل تقبل أنت أن يمنحك شريكك بطارية مستهلكة؟!.....أوليس الله يختار لك شريكك يوم ميلادك ؟!!، فلماذا تنتهك حقه لمجرد أنه لم يظهر بعد؟!
المشاعر نعمة منحك الله إياها، فكيف تضيعها في ما يغضبه.. والسؤال هو: هل تستثمرون مشاعركم في النور .....أم تسرقونها في الظلام؟
لا تسمح لأحد أن يسرق مشاعرك..
امنح مشاعرك بعقلك، ولا تجعل أحداً يغتصبها من قلبك..
لا تساعد الآخرين على السرقة..
وأخيراً، لا تكن من لصوص المشاعر.
(3) بخل المشاعر
قرأنا كثيراً وتندرنا بقصص البخلاء؛ كيف يكتنزون النقود ويخشون إنفاقها، وفي بعض هذه القصص يموتون حسرة عليها، أو دون أن يستمتعوا بها.
هل يا تُرى نتندر بقصص بخلاء المشاعر، أم نأسى لأجلهم؟ ...حقاً هم يستحقون الأسى..
من هم بخلاء المشاعر؟
هم من يكتنزون مشاعرهم.
هل تريد أن تعرف إذا كنت بخيلاً في مشاعرك أم لا؟
اسأل نفسك:
هل تشارك الآخرين مشاعرك؟
هل تعبر عن فرحك... حزنك.... رضاك... سخطك،
أم تكتفي بالقناع البلاستيكي؟
الأقنعة تميت الوجه..
...من حق من حولك أن يشاركوك في مشاعرك ...وإلا لم تشاركهم الحياة؟!
هل تعبر عن مشاعرك تجاه الآخرين؟
هل تخبر أصدقاءك أنك تحبهم؟
هل تثني على عائلتك، أم تكتفي بأن تحبس هذه المشاعر داخلك، وترى أنه لا داعي لأن تخرجها إليهم؟
إن كنت لبيباً فليس الآخرون جميعاً بالإشارة يفهمون.
..عبر لهم.. لا تبخل عليهم بمشاعرك..
لا تستكبر أن تقول لصديق: إنني أحبك في الله.
لا تستكبر أن تعبر عن حبك وامتنانك للآخرين، طالما في حدود العقل والدين.
إن لم تستطع أن تخرج مشاعرك في كلمة، فلتكن في زهرة.. في هدية.. في بسمة.. في نظرة.
دع عنك الجمود، وكن كريماً في مشاعرك.
مصيدة البخلاء:
للبخلاء مصيدة من الكرم في المشاعر، ينصبونها في بداية علاقتهم بالآخرين..
يكون كرم المشاعر فيها كقطعة الجبن، عندما تدخل لتلتهمها لا تجد المزيد بعد ذلك، وتجد نفسك حبيساً بالتزامك معهم..
ولعل أنطق مثال متجسد هو علاقة الأزواج ..
في السنة الأولى ـ مثلاً ـ يغدق كل من الطرفين على الآخر مشاعره، وبعد ذلك يعلن كل طرف عن انتهاء قطعة الجبن، معللين ذلك بأنه لا داعي للتعبير، فكل منهم يعلم ما بداخل الآخر!...
وإن كان الأمر بالعلم، فإن الله العليم الحكيم، وله المثل الأعلى، يطالبنا أن نعبر عن حمده وشكره في عبادتنا إياه.
لا تجعل الثقة في أن الآخر يعلم قيمتك لديه مبرراً لحجب مشاعرك عنه.
كن كريماً في مشاعرك مع جميع من حولك .
أخرج مشاعرك دون اقتصاد ...وقت السعادة كن أسعد مخلوق،
ووقت الحزن أخرج كل طاقاتك السلبية.
بعد قراءة هذه السطور، انظر إلى جميع من حولك؛ أهلك، أصدقائك، أقاربك.. قل لهم إنك تحبهم في الله، ولا تخجل، فإنها بالفعل مشاعرك..أطلق لها العنان، فأنت لا تفعل هذا لتتملقهم، وإنما لتشاركهم مكنون صدرك.
اختزن مشاعرك داخلك إن شئت ...ولكن، لا تلومن أحداً بعد ذلك على جموده.